القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه    عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية.
السراج الوهاج للمعتمر والحاج
48052 مشاهدة
المقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد :
فقد أرسل الله سبحانه محمدا بالحق بشيرا و نذيرا، وأمره بأن يبين للناس ما نزِّل إليهم، وأن يبين لهم شريعتهم، قال تعالى: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ( سورة النحل ، الآية: 44 )
فبين لهم -صلى الله عليه وسلم- هذا الدين الذي بُعث به وأمر بتبليغه، وبين أن لهذا الدين أركان، بقوله -صلى الله عليه وسلم- بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا .
فبدأ بالشهادتين وبيَّن ما يدخل فيهما، ودعى إلى التوحيد أكثر عمره في مكة أي نحو عشر سنين.
ثم بعد مضي العشر بدأ في بيان الركن الثاني وهو الصلاة، حيث فُرضِت عليه فأقامها بمكة ثلاث سنين وبقية عمره أيضا بالمدينة
وفرضت عليه قرينتها - وهي الزكاة - في المدينة وهي الركن الثالث من الأركان، وقد بين أحكامها -صلى الله عليه وسلم- أتم بيان.
وفرض عليه الركن الرابع - وهو الصوم- بالمدينة فبينه بقوله وفعله -صلى الله عليه وسلم- .

وفرض عليه الركن الخامس وهو الحج إلى بيت الله الحرام وقيل: إنه فرض في السنة السادسة من الهجرة ، وقيل: في السنة التاسعة وهو الصحيح تدل عليه الأدلة.
والحج كما هو معلوم كان مأمورا به من قبل، ولكن لم يفرض إلا في السنة التاسعة كما ذكرنا، ولم يتمكن النبي -صلى الله عليه وسلم- من أدائه وبيانه بالفعل إلا في السنة العاشرة، فعند ذلك بيّنه -صلى الله عليه وسلم- بقوله وفعله بأدائه كاملا، وكان -صلى الله عليه وسلم- يحث أصحابه على أن يحفظوا عنه المناسك، فكان يقول -صلى الله عليه وسلم- خذوا عني مناسككم، فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا وعاش بعد ذلك نحو إحدى وثمانين أو اثنتين وثمانين ليلة، وختمت بذلك حياته وانتقل إلى الرفيق الأعلى -صلى الله عليه وسلم-.
وقد احتفظ صحابته ببيانه، وبما بلَّغه -صلى الله عليه وسلم- في هذا الركن العظيم وفي غيره من الأركان.
لقد أعلن النبي -صلى الله عليه وسلم- للناس بأنه سوف يحج في ذلك العام في سنة عشر، فلما أعلنه وأظهره توافد كثير ممن حول المدينة إلى المدينة وقصدهم صحبة النبي -صلى الله عليه وسلم- والسفر معه؛ حتى يؤدوا المناسك مثل ما يؤديها، واجتمع في المدينة خلق كثير، أما الذين لم يتمكنوا من المجيء إلى المدينة فإنهم توجهوا من بلادهم التي هم فيها إلى مكة مباشرة.
وكانت مكة قد طُهِّرَت من الأصنام ومن المشركين ومن العادات الجاهلية؛ وذلك لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أرسل أبا بكر وغيره من الصحابة في سنة تسع، وأمرهم بأن ينادوا: أن لا يحج بعد هذا العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان فنادوا بذلك، فعرف الناس هذا الحكم، فلم يطف بالبيت عريان بعد ذلك العام؛ ولم يحج أحد من المشركين حيث إن الله أظهر حرمة مكة وقداستها، ونهى المشركين أن يدخلوها.
وسوف نتناول هذه الفريضة، فضلها وأحكامها، مستعرضين ما قد يقع فيه البعض من قصور أو أخطاء في أداء تلك المناسك، ونحرص أن نذكر شيئا من الحِكَم التي تعين العبد أن يعلم الحكمة والمصلحة التي شرعت لأجلها هذه العبادة؛ فإن معرفة العبد للحكمة والمصلحة تشرح قلبه، وتجعله يدرك أن الله -تعالى- ما شرع شيئا إلا وفيه مصلحة، وأنه ليس شيء من أحكام الله شُرع عبثا، بل كل نسك من تلك النسائك، وكل عبادة من تلك العبادات؛ فيها مصلحة ظاهرة جليَّة، فيحرص أن يتأثر بها، وأن تبقى آثارها عليه بقية حياته.
نسأل الله أن يرزقنا حجا مبرورا، وذنبا مغفورا، وسعيا مشكورا، وعملا صالحا مقبولا، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.